رأسمالية..الرئيس
عند متابعتي للرئيس السيسي خلال الفترة السابقة، شدََني بعض المواقف والقرارات الجريئة، ومنها أنه قال للقطاع الخاص إن الإدارة الجيدة اللي مفيش فيها خواطر، والإدارة المحترمة لن تأتي إلا إذا كان القطاع الخاص شريكًا مع الدولة، وإن القطاع الخاص عايز يتفصل.. يتفصل "احنا محتاجينكم"، وقال "احنا أثبتنا في إدارتنا خلال 40 سنة فاتوا إن احنا غير أكفاء، وده مش عيب، العيب إنكم تستمروا على المسار نفسه".
وأوضح الرئيس إن الإدارة الخاصة بالقطاع العام الحكومي مش ذات كفاءة، ولا تحقق النجاح المطلوب، وأصدر توجيها أن يكون القطاع الخاص شريكًا مع الدولة.. عن طريق طرح شركات القطاع العام والجيش في البورصة المصرية.
ومعنى ذلك أنه لن تكون هناك شركة مملوكة للجيش بالكامل ولا القطاع العام بالكامل، ومعناها أن الجيش والدولة هيرفعوا إيديهم من الاقتصاد المصري.. وأعتقد أن هذا قرار تاريخي، ويطابق كل نظريات الاقتصاد الحديثة.
كما قال الرئيس مش احنا بس اللي بنعمل كده، كل الدول الناجحة بتعمل كده.. ودي حلول ناجحة للسيطرة على الفساد في الدولة.
وأيقن الرئيس أن الفساد والفتن وسوء الإدراة والإهمال والتراخي، كانوا من أسباب انهيار الدولة في 25 يناير 2011، ونحن لا ننكر أن مصر في عصر مبارك كانت تخضع لحكم قطاع ضيق من النخبة الذين نظَّموا شكل المجتمع بطريقة تتلاءم مع مصالحهم الشخصية، على حساب الأغلبية الكبيرة من الشعب، إذ إنهم استغلّوا سلطتهم السياسية لتكوين ثروات طائلة لصالحهم، وكان الفساد يستشري في الدولة طولًا وعرضًا، مما أدى إلى سوء الإدراة وانهيار الدولة، فكنا نعاني الفساد والظلم وتدني مستوى الخدمات والتعليم.
ولم تكن فقط هذه هي الأسباب الوحيدة لفقر مصر، بل من أشد الأسباب أن مصر كانت تحت حكم العثمانيين الذين لم يهتموا بتحقيق الازدهار في مصر، ثم من بعدها الاحتلال الفرنسي عام 1798، الذي أطاح بالحكم العثماني، الذي لم يهتم فيه نابليون بازدهار مصر، ثم من بعده الاستعمار البريطاني الذي كان مثله كمثل الاحتلال العثماني والفرنسي، لم يكن مهتمًا بشكل واضح بتحقيق التطور والرخاء لمصر، وعلى الرغم من أن المصريين تخلصوا من سيطرة الإمبراطورية العثمانية والبريطانية وتمكنوا من الإطاحة بالحكم الملكي، وأتوا بنخبة أخرى لم تهتم بتحقيق الرخاء والتقدم للمصريين، كما فعل المحتلون السابقون، ومن بعدها استلم الرئيس السادات الحكم، فكان أمامه تحديات تحرير البلاد من الاحتلال، ثم جاء الرئيس مبارك وعصره وكل من يملك السلطة في البلاد، وأعادوا خلق نظام مشابه لمن سبقوهم، وظلت مصر فقيرة وخلّوها "كُهنة".
وهنا يتضح أن الرئيس السيسي يحاول تغيير هذه الانظمة الموروثة التي أنتجتها القوى الاستعمارية، وسار على خطاها مَن بعدهم، وآخرهم نظام مبارك، ولا يريد الرئيس إعادة إنتاج مثل هذه الأنظمة الفاشلة، إذ إنها جميعًا اعتمدت على القطاع العام الذي فشل في الإدراة والنجاح.
وأعلن الرئيس أن السابقين خافوا من إصدار قرارات التغيير لنهضة بلادهم حرصًا على الكرسي.
وها هو الرئيس بكل جرأة وشجاعة يصدر قرارت اتَّبعتها الدول الغنية مثل إنجلترا وفرنسا والولايات المتحدة واليابان بصورة جوهرية، واكتشف ضعف القطاع العام في تحقيق النجاح المطلوب، ووجّه رسالة للقطاع الخاص "احنا محتاجينكم"، وها هي ثورة 30 يونيو، الثورة التي قامت بالتغيير ولا تسير على افكار سابقيها الموروثة.
شركات الحكومة والجيش فى البورصة، ومعناها مشاركة القطاع الخاص في الملكية والإدارة للسيطرة على الفساد، وفكرة جديدة وجريئة للرئيس لم يستطع سابقوه اتخاذها، الأمل يزداد عندى ومتفائل أن مصر قادمة إلى نهضة اقتصادية غير مسبوقة في المستقبل إن شاء الله.
ونتذكر "دجي ارو" الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 1972 حين قال: "الدول تنجو من شبح الفقر، عندما تمتلك مؤسسات اقتصادية فاعلة، وبصورة خاصة عند توافر الملكية الخاصة وروح المنافسة"، فإن المصير الاقتصادي محكوم بأشكال المؤسسات الاقتصادية التي يقيمها الإنسان، لا طبيعة الأرض أو الثقافة أو العقيدة، وما يحدد ما إذا كانت الدولة غنية أو فقيرة هو مؤسساتها الاقتصادية، وظاهرة الفقر قابلة للتغيير بكل مؤساساتها الاقتصادية.
احنا الجيل اللي انكتب عليه أن يدفع ثمن إصلاحات، كان من المفروض أن تجري خلال 30 سنة مضت.
تعليقات
إرسال تعليق